الذكاء الوجداني وتطور العلاقة بين التفكير والانفعال
- Dr. Baria Shbib
- 22 أكتوبر 2023
- 5 دقائق قراءة
تاريخ التحديث: 23 نوفمبر 2023
لمحة تاريخية:
يمكن تتبع تاريخ الذكاء الوجداني عبر العصور من خلال إلقاء الضوء على كنه العلاقة بين الانفعال والتفكير
، و سنتعرض بداية لتعريف كل من مفهومي التفكير والانفعال مع التركيز على التداخل البنيوي في المكونات
الأساسية لكليهما.
أولاَ : مفهوم الانفعال.
الانفعال حالة طبيعة أصيلة في الفطرة الإنسانية ؛ هو حالة وجدانية فجائية ، وغير منظمة ، تخرج
الإنسان عن حالته الإعتيادية ، وتتسم بالاستثارة والتنبيه والتوتر وعدم الإستمرارية ، قد تظهر على هيئة
غضب أو ضحك، أو حزن , أو بكاء ، فالانفعال حركة في النفس قد تتباين في مستوى الحدة والاضطراب ،
حيث أنها قابلة للتأثر بعوامل عديدة ؛ شخصية ترتبط بمستوى التطوير الذاتي، وأخرى اجتماعية ترتبط
بعوامل التنشئة والتربية والمستوى الثقافي و الإجتماعي.
و تتكون الإنفعالات من أربعة مكونات أساسية:
1. المكونات البيولوجية: وتشمل على العوامل الوراثية والعوامل العصبية وإفرازات الغدد الصم.
2. المكونات البيئية: و تتضمـــــن العوامـــــل المحيطية الماديـــــة والاجتماعيــــــة.
3. المكونات المعرفية: و تتضمن الجوانب المعرفية، كاللغة أو الإشارات اللفظية، وغير اللفظية كلغة الجسد، و الإدراك، و الذاكرة.
4. الجوانب غير المعرفية كالدافعية.
ويتضح من خلال المكون المعرفي للإنفعال العلاقة الوثيقة بين التفكير والإنفعال.
ثانياَ : مفهوم التفكير.
التقكير نشاط عقلى واع هادف ، ينظم بها العقل خبراته بطريقة جديدة لمواجهة متطلبات الحياة ويتألف
التفكير من ثلاث مكونات هي :
1. العمليات المعرفية
2. المعرفة الخاصة بمحتوى المادة أو الموضوع.
3. الاستعدادات والعوامل شخصية (اتجاهات، موضوعية، ميول) و من هنا يتضح التداخل بين كل من التفكير
الذي يتضمن ضمن مكوناته الاستعدادات والعوامل شخصية وبين الإنفعال ومكوناته المعرفية.
و ترجع معرفة الجذور التاريخية للذكاء الوجداني في تلمس العلاقة الكامنة بين منظومتي التفكير والانفعال
لدى الإنسان؛ حيث تمحورت وجهات نظر الفلاسفة حول هذه العلاقة في ثلاثة اتجاهات أساسية:
الاتجاه الأول : طغيان العاطفة على العقل:
يعرض هذا الاتجاه للإشكالية الكبيرة التي تتمثل بالتقسيمات القديمة للعقل البشري، ويقر هذا الاتجاه بطغيان
العاطفة على العقل، كما أشار لذلك جولمان Golman) 1995) مبيناً رأي جوبيتر كبير الآلهة الذي منح
العاطفة درجة تفوق العقل، فهناك عقلان أمام العقل المنطقي وهما ( العقل الغضبي) و ( العقل الشهواني)
القادران دائماً على أن تدفعانه للاستسلام والتسليم.في صراع غير متكافئ يقف العقل بمفرده عاجزاَ في
مواجهة اثنين من الطغاة هما الرغبة والغضب، وتتراجع حكمته وقدرته على السيطرة على هاتين القوتين
اللين تدفعانه إلى الاستسلام والتسليم.
ونرى في هذا الاتجاه إغفال كامل لأية بوادر يمكن أن تنبىء بأي محاولة للإعتراف بالدور الإيجابي
للانفعالات أوالتعامل معها بشكل بناء.
الاتجاه الثاني:
عرض هذا الاتجاه إلى التقسيمات القديمة للعقل البشري على أساس أكثر توازن وميز بين قوة العقل وقوة
العاطفة وفضل العقل على العاطفة، والحكمة على الانفعال فنرى في الفكر الفلسفي الصيني أن كونفوشيوس
كان قد عزا أسباب الفساد إلى الاستسلام للنزوات الانفعالية، وبين أن الشهوة سليلة الجهل، وأنه لابد من نشر
العلم لإصلاح العالم، وأكد على دور التربية، وأهمية تعليم التفكير في بناء الإنسان والمجتمع.
وكذلك ذهبت المدرسة
الرواقية في الفكر اليوناني في نهجها الفلسفي إلى التأكيد على ضرورة التحرر من الانفعالات، وعدم
الخضوع لسيطرتها، وأن حرية الإنسان الحقيقية تكمن في التحرر من شهواته، ومع تطور الفكر الفلسفي
الإنساني عبر التاريخ انسحبت هذه النظرة إلى العصور الحديثة؛ وكانت كثيراً ما تتبدى بصورة جديدة في
الدراسات النفسية التي تناولت الطبيعة البشرية، فقد ذكرت ((الستر)) (Elster 1985). أن المشاعر
المتضمنة مباشرة في الانفعالات البشرية قد تعوق وتقيد العمليات العقلية فلا تكون إضافـــة أو تكمــلة له،
وتؤصل دعواها مشيرة إلى المقولات القديمة التي تدعو إلى ضرورة أن يحكم الفرد مشاعره بدلاً من أن
تحكمه هي. ومن ثم سيصبح منقاداً لها ونرى في هذا الاتجاه بدايات الاعتراف بإمكانية السيطرة على
المشاعر.
الاتجاه الثالث:
يركز الاتجاه الثالث على الدور الفعال الذي يلعبه تكامل النظام المعرفي والانفعالي في الحياة النفسية
والاجتماعية للفرد. ولعل لهذه النظرة جذورها الضاربة في أعماق التاريخ ، فالفلسفة اليونانية بشكل عام
تميل إلى الوسط الذهبي، أو ما نسميه الاعتدال أو التعقل أو الانسجام المتوازن والبناء بين العقل والعاطفة،
وقد فسر (نيتشه) هذه الظاهرة في الفكر الفلسفي اليوناني على أنها تعكس الشعور اليوناني. بأن العواطف
ليست رذائل في حد ذاتها، وإنما التطرف أو الانحراف في العواطف هي الرذيلة بينما يكون الانسجام
والاعتدال فضيلة.
وقد ذكر جولمان أن الكثير من فلاسفة الإغريق استطاعوا أن يتوصلوا إلى معرفة دور العاطفة، والانفعال في
توجيه السلوك، وقد تكلم أرسطو عن إدارة حياتنا العاطفية بذكاء؛ وبين أن المشكلة ليست في الحالة العاطفية،
ولكن في سلامة هذه العاطفة وكيفية التعبير عنها.
وأكد سالوفي Salovey على عراقة هذا الاتجاه الفلسفي، وقدرته على الاستمرار مبيناً أن فلاسفة الإغريق
القدماء نظروا إلى الانفعال على أنه موجه حقيقي للاستبصار والحكمة، وكذلك أكدت الحركة الرومانتيكية في
بداية القرن التاسع عشر أن الحدس المتأصل بالانفعال، والتعاطف قد يقدما استبصارات لا يقدمها العقل وحده
والحقيقة أن الجذور الحقيقية للذكاء الوجداني كانت تكمن في تلك الإشارات المميزة التي كانت تجود بها
عقول الفلاسفة والعلماء عن أهمية المشاعر ودورها الفعال في حياة الإنسان, تلك الأهمية التي أخذت أبعاداً
هامة في مطلع القرن العشرين. حيث أكدت الاكتشافات التشريحية العصبية لتركيب المخ عن الدور الكبير
الذي يلعبه المخ الانفعالي في توجيه سلوك الفرد، وطريقة تفكيره وتحديد أهدافه, ومن هذا المنطلق- كما أكد
سالوفي- فقد أطلق العلماء على العقد الخير من القرن العشرين بأنه عقد القلب وذلك ليس من قبيل تزايد
الاهتمام بدراسة فسيكولوجيا القلب والمشاعر فحسب، وإنما كإنعكاس لتعاظم الاهتمام بدراسة المشاعر،
والذكاء الوجداني على وجه الخصوص.
وقد كان لهذه الاكتشافات دور كبير في تطوير مفهوم الذكاء الوجداني، ودوره الفعال على الصعيدين النفسي
والتربوي. أما على الصعيد النفسي فقد ازداد الاهتمام والتركيز على دور الانفعالات في تنظيم حياة الفرد
النفسية، وانعكاساتها على حياته الشخصية والاجتماعية، وقد ركز فرويد Freud 1966)) على العلاقة بين
التفكير والانفعال، وأكد على الذات الفردية، وعلى أهمية آليات الدفاع في تكييف الفرد وسلامة تفاعله مع
محيطه البيئي، وتطور الاهتمام بالعلاقة بين التفكير والانفعال في الدراسات التي تناولت آثر التفكير على
المزاج والشعور بالسعادة، فقد خلصت دراسة بوير ( 1981 Bowre) إلى أن المزاج السعيد ينشط الأفكار
السعيدة، والمزاج الحزين ينشط الأفكار الحزينة مما يساعد على تفسير كثير من الظواهر التجريبية في هذا
المجال.
وكذلك فقد تطورت نظريات عديدة في علم النفس الأمبريقي مستندة في فلسفتها على إمكانية تدخل التفكير في
الانفعال، وانعكاس ذلك على السلوك وإمكانية استخدام ذلك في الإرشاد والعلاج المعرفــي السلوكــي، كمــــا
بينت ذلك أفكــار بيك (1967 Bek) الإبداعية في هذا المجال. وكما بينت ذلك دراسات اليس ( (Ellis
1985في تسمية (اللعلاج العقلاني الانفعالي ) مع التشديد على العلاقة بين السلوك والانفعال والتفكير، فإذا
كانت طريقة التفكير عقلية ومنطقية فإن السلوك يكون جيداً، والانفعال يكون إيجابياً، ودافعاً لمزيد من النشاط البناء
وهذا ما أكد عليه بورنس (Burns, 1991) في علاجه للاكتئاب مبيناً أن الاكتئاب هو نتيجة إدراكات سلبية
تعمل على تضخيم الإخفاق، وانعدام الكفاءة، وطرح أسلوبه في العلاج اللادوائي للأكتئاب، مبيناً (أنه لدينا
علاجات بيولوجية تؤثر في الجسد ولدينا علاجات نفسية تؤثر في العقل).
ومن هنا نجد الأهمية القصوى الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الوجداني في الوقاية من الكثير من الأمراض
النفسية أو تسريع العلاج فيها.

المصادر
دانيال جولمان، (2000): الذكاء العاطفي، ترجمة ليليى الجبالي، عا
لم المعرفة، عدد 262، تشرين
الأول.
ول ديورانت، (1985): قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي حياة وآراء أعاظم رجال الفلسفة في
العالم، ترجمة فتح الله محمد المشعشع – ط5- مكتبة المعارف، بيروت.
Salovey, P, Mayer, J, & Caruso, D, (2000):The Positive Psychology of Emotional
intelligence.In C.R. Snyder.,& S.J.Lopez (Eds), Handbook of Positive Psychology. New York: Oxford University Press.
Salovey, P, Bedell, B.T, Detweiler, J.B, & Mayer, J, (2000):
Current Directions in Emotional Intelligence Research. In M. Lewis, & J.M. Havilland- ons (Eds), Hand of Emotions. New Mayer, J, (2001(b): Emotion Intelligence, and Emotional intelligence.In Forgas, J
.
P, Handbook of Affect and Socail Cognition. Mahwah, NJ: Lawrence Erlbum
Associates, Publishers.
Ellis, A, (1987): The Evol. Ution of Rational – Emotive Therapy, (RET) and Cognitive
Behavior Therapy, In, J.k. Zeig (Ed), The Evol. Ution of Psychotherapy, New York:
Brunner/ Mazel.
Burns D D. (1991): Feeling Good, William Morrow, New York.
Daniel Goleman, "Emotional Intelligence," Translated by Lili Al-Jebali, Al-Aalim Al-Maarifa Magazine, Issue 262, October.
Will Durant, "The Story of Philosophy: The Lives and Opinions of the World's Greatest Philosophers," Translated by Fathallah Mohamed Al-Mushaishai, 5th ed., Al-Maaref Library, Beirut.
Peter Salovey, John Mayer, and David Caruso, "The Positive Psychology of Emotional Intelligence," In C.R. Snyder and S.J. Lopez (Eds.), "Handbook of Positive Psychology," New York: Oxford University Press.
Peter Salovey, Brian T. Bedell, John B. Detweiler, and John Mayer, "Current Directions in Emotional Intelligence Research," In M. Lewis and J.M. Havilland-Jones (Eds.), "Handbook of Emotions," New York: Guilford Press.
John Mayer, "Emotion Intelligence, and Emotional Intelligence," In J. P. Forgas (Ed.), "Handbook of Affect and Social Cogniti
on," Mahwah, NJ: Lawrence Erlbaum Associates, Publishers.
Albert Ellis, "The Evolution of Rational-Emotive Therapy (RET) and Cognitive Behavior Therapy," In J.K. Zeig (Ed.), "The Evolution
of Psychotherapy," New York: Brunner/Mazel.
David D. Burns, "Feeling Good," William Morrow, New York.
Comments